السبت، 13 فبراير 2010

ثـــورة قــلــب

إنها الثانية صباحا وما زال الجميع في انتظار عودته ؛ ففقدانه صاحبه باكر امس قد فجر بداخله كل مشاعر الألم والحسرة . فكم كانت صداقتهما رائعة بمعني الكلمة .

ولعل الغريب في أمره ثباته - المفاجئ هذا - .. لم يصرح بألمه ولو بكلمة لم تندثر منه الدموع كما توقع الحضور جميعا بل استقبل الخبر بأخذه أوراقه وأقلامه وهاتفه العتيق وجرى مندفعا تجاه باب الخروج .ليصبح الجميع في حيرة من أمره ؛ هل هذا إهمال في مشاعره تجاه رفيقه الراحل أم صدمة عنيفة أخرست ثورة النطق بداخله فجعلته ينصرف هكذا .


لم يلقِ بالا بما سمع لشدة وهلته ؛ ومضى يعبر الطريق مسرعا دون مبالاة بسرعة العربات العابرة وقد التفت يداه حول رقبته تقتلع رابطة عنقه بشدة ؛ أسرع في خطاه ومضى سائراً تجاه الشاطئ القديم حيث لا بشر ولا حدود ولا أضواء ولا لائمين ، فهناك فقط يبث آلامه يشكو أحزانه يسرد معاناته.

جلس وسرد أوراقه على ركبتيه وامتطي قلمه كمحاولة لسرد ما يجول بخاطره لكنه فشل فكلما كتب شيئا صرخ منددا بما كتب ، فالقلم لا يطاوعه في سرد شئ والكلمات طارت غفوة مع عبير الامواج العالية ؛

لينهض وشعلة من الغضب تصاحب وجنتيه متجها نحو المياة وقد ابتلت كل ملابسه تقريبا إثر إرتطام الأمواج العالية ببعضها البعض .

صرخ بكل صمت ، بكي دون دموع ، لطم خديه بمياه الامواج الباردة علها تنعش ذاكرته من جديد وتفيقه من ويله هذا .. ليعود هادئا إلى الشاطئ من جديد ويجلس متكئا على ركبتيه ووجهه معلقا في السماء ؛ فقد قرر التمرد على كل شئ ؛ فالمكان لم يعد هو المكان فقد اختلفت المعالم وتبددت الملامح بفقدان الأحبة ؛ وانشغال الجيران ؛وخداع الرفقاء .. لم يعد كل شئ في نصابه الصحيح .. باختصار ضاعت الحياة ..! ومن يقل أن هناك شموعا في الطريق فليريني إياها .. فما هي سوى شموع اكتحلت بالسواد فأصبحت واقفة على قارعة الطريق تنيره بالظلام القاتم ليصبح الجميع وتراً تائها دون أن يدري ..!


هدأ نسبيا بتحليق سِرْبٍ من الطيور فوقه وأخذ يتتبع خطاهم وقد إرتجف قلبه فرحا من روعة المنظر وتمنى أن يمكثوا طويلا امام عينيه حتى يتعلم منهما البهجة والتجمع.


لكنهم سرعان ما عكفوا جلسته وعادوا حيث كانوا ؛ فقام هاتفا بأعلى صوت له ؛ أريد الرحيل مثلهم ، أريد الهروب ، بل أريد الهروب من الهروب ذاته ، أريد الذهاب إلى اللامكان .. اتركوني وحيداً ألملم أوراقي ، أقاوم آلامي ، أحضن أحزاني وأمسك بأطراف مخيلات أحلامي ، أعطوني دقائق أضمد جروحي أغتال أوجاعي ؛ فلم يعد بمقدوري الكلام .. لقد سئمته .. وربما هو من سئمني .. ومن يدري ؟!


المهم أن تتركوني وشأني .. منعزلا بكم ، ميتاً حياً ، راحلاً بحضوري ، ثائراً بصمتي ، فقط أريد ذلك .. فهلا سمحتم لي !

إنتهت

1 التعليقات:

-:: SAHAR ::- يقول...

تم تظبيط التعليقات يا رضوى يا مسسسسهل

إرسال تعليق